تشخيص أنواع تساقط الشعر الشائعة: الأسباب، الأعراض، وخيارات العلاج الأولية

1. الثعلبة الأندروجينية (Androgenetic Alopecia): الصلع الوراثي

هذا هو النوع الأكثر شيوعاً لتساقط الشعر، حيث يؤثر على ملايين الرجال والنساء حول العالم.

كيف يبدو؟

عند الرجال (Male Pattern Hair Loss): يظهر عادةً بنمط مميز يبدأ بتراجع خط الشعر الأمامي عند الصدغين، مكوناً شكل حرف 'M'، يليه ترقق تدريجي في منطقة تاج الرأس (Vertex). مع مرور الوقت، قد تلتقي هاتان المنطقتان لتؤديا إلى صلع جزئي أو كامل في الجزء العلوي من الرأس.

عند النساء (Female Pattern Hair Loss): يختلف النمط بشكل كبير. بدلاً من تراجع خط الشعر، تلاحظ النساء عادةً ترققاً منتشراً في الجزء العلوي من فروة الرأس، مما يؤدي إلى اتساع واضح في خط فرق الشعر المركزي، مع الحفاظ غالباً على خط الشعر الأمامي.

السبب العلمي (الفيزيولوجيا المرضية):

السبب هو تفاعل بين الاستعداد الوراثي والهرمونات الذكرية (الأندروجينات). في الأفراد المهيئين وراثياً، يقوم إنزيم يُدعى "5-ألفا ريدوكتاز" (5-alpha-reductase) بتحويل هرمون التستوستيرون إلى هرمون أقوى يُعرف باسم ديهيدروتستوستيرون (DHT). يرتبط هرمون DHT بمستقبلات الأندروجين في بصيلات الشعر الحساسة، مما يؤدي إلى عملية تُعرف بـ "التصغير" (Miniaturization). خلال هذه العملية، تقصر مرحلة النمو (Anagen) وتتقلص البصيلة تدريجياً، مما ينتج عنه شعرة أرق وأقصر وأفتح لوناً مع كل دورة نمو جديدة، إلى أن تتوقف البصيلة عن إنتاج الشعر تماماً.

خيارات العلاج المتاحة (بناءً على توصيات AAD/EADV):

• المينوكسيديل الموضعي (Minoxidil): متوفر بتركيز 2% و 5%، وهو معتمد لكل من الرجال والنساء. يعمل عن طريق تحفيز بصيلات الشعر وإطالة مرحلة النمو.
• الفيناسترايد الفموي (Finasteride): دواء يُصرف بوصفة طبية للرجال فقط. يعمل عن طريق تثبيط إنزيم 5-ألفا ريدوكتاز، مما يقلل من مستويات هرمون DHT في فروة الرأس.
• العلاج بالليزر منخفض المستوى (LLLT): أجهزة (مثل الأمشاط والخوذات) تستخدم الضوء الأحمر لتحفيز نشاط البصيلات.
• خيارات أخرى: تشمل مضادات الأندروجين الفموية للنساء (مثل سبيرونولاكتون)، وحقن البلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP)، وزراعة الشعر كحل دائم.

2. تساقط الشعر الكربي (Telogen Effluvium): التساقط التفاعلي

هذا هو ثاني أكثر أنواع تساقط الشعر شيوعاً، ويتميز بتساقط مفاجئ وواسع النطاق.

كيف يبدو؟

تساقط شعر كثيف ومفاجئ ومنتشر في جميع أنحاء فروة الرأس. لا يظهر على شكل بقع صلعاء، بل كترقق عام في كثافة الشعر. يلاحظ المصابون كميات كبيرة من الشعر في حوض الاستحمام، على فرشاة الشعر، أو على الوسادة. يحدث التساقط عادةً بعد 2 إلى 4 أشهر من الحدث المسبب.

السبب العلمي:

يحدث تساقط الشعر الكربي عندما يتعرض الجسم لضغط فسيولوجي أو عاطفي شديد. هذا "الضغط" يرسل إشارة لعدد كبير من بصيلات الشعر (تصل إلى 70%) للانتقال بشكل متزامن ومبكر من مرحلة النمو (Anagen) إلى مرحلة الراحة (Telogen). بعد حوالي 3 أشهر (مدة مرحلة الراحة)، تبدأ هذه البصيلات دورة نمو جديدة، مما يؤدي إلى طرد الشعر القديم دفعة واحدة، وهو ما يظهر كتساقط كثيف.

المحفزات الشائعة: الولادة، الحمى الشديدة، الجراحة الكبرى، فقدان الوزن السريع أو سوء التغذية، الضغط النفسي الشديد (مثل فقدان شخص عزيز)، أو بعض الأمراض والأدوية.

خيارات العلاج:

الخبر السار هو أن تساقط الشعر الكربي الحاد هو حالة مؤقتة وقابلة للعكس تماماً. العلاج الرئيسي يكمن في تحديد وإزالة العامل المسبب. بمجرد عودة الجسم إلى حالته الطبيعية، يتوقف التساقط ويعود الشعر للنمو بشكل طبيعي. في معظم الحالات (حوالي 95%)، يتعافى الشعر تماماً في غضون 6 إلى 9 أشهر دون الحاجة إلى علاج دوائي.

3. الثعلبة البقعية (Alopecia Areata): هجوم مناعي ذاتي

تتميز هذه الحالة بظهورها المفاجئ على شكل بقع صلعاء.

كيف تبدو؟

بقعة أو عدة بقع صلعاء دائرية أو بيضاوية ناعمة الملمس تماماً، بحجم عملة معدنية أو أكبر. يمكن أن تظهر على فروة الرأس، اللحية، الحواجب، أو أي منطقة مشعرة في الجسم. في بعض الحالات، قد يشعر المريض بوخز أو حكة خفيفة قبل ظهور البقعة. قد تتطور الحالة لتشمل فقدان كامل لشعر الرأس (Alopecia Totalis) أو شعر الجسم بالكامل (Alopecia Universalis).

السبب العلمي:

الثعلبة البقعية هي مرض مناعي ذاتي، حيث يهاجم الجهاز المناعي للجسم بصيلات الشعر عن طريق الخطأ، معتقداً أنها جسم غريب. هذا الهجوم يؤدي إلى التهاب حول البصيلة ويجبرها على الدخول في مرحلة الراحة، مما يوقف نمو الشعر ويتسبب في تساقطه. البصيلات نفسها لا تتلف بشكل دائم، مما يعني أن الشعر لديه القدرة على النمو مجدداً.

خيارات العلاج:

• حقن الكورتيكوستيرويد الموضعي: هو العلاج الأكثر شيوعاً وفعالية للبقع المحدودة، حيث يتم حقن الدواء مباشرة في الجلد المصاب لتقليل الالتهاب.
• العلاج المناعي الموضعي (Contact Immunotherapy): يستخدم في الحالات الأكثر انتشاراً، حيث يتم تطبيق مادة كيميائية على فروة الرأس لإحداث رد فعل تحسسي خفيف "يلهي" الجهاز المناعي عن مهاجمة البصيلات.
• مثبطات جانوس كيناز (JAK Inhibitors): فئة جديدة من الأدوية الفموية التي أحدثت ثورة في علاج الحالات الشديدة، حيث تعمل على تهدئة الاستجابة المناعية المفرطة.
• المينوكسيديل الموضعي: يمكن استخدامه كمساعد لتحفيز نمو الشعر.

4. ثعلبة الشد (Traction Alopecia): تساقط ميكانيكي

هذا النوع من تساقط الشعر ناتج بالكامل عن عوامل خارجية ويمكن الوقاية منه.

كيف تبدو؟

تساقط شعر تدريجي يتركز بشكل أساسي على طول خط الشعر الأمامي والجانبي (الصدغين)، وهي المناطق الأكثر عرضة للشد. في المراحل المبكرة، قد تظهر بثور صغيرة أو التهاب حول البصيلات، بالإضافة إلى شعر متكسر.

السبب العلمي:

السبب هو الشد الميكانيكي المستمر والمتكرر على بصيلات الشعر. هذا التوتر الدائم يسبب التهاباً حول البصيلة ويضعف ارتباط الشعرة بالجذر، مما يؤدي إلى تساقطها. إذا استمر الشد لفترة طويلة، يمكن أن يؤدي إلى تلف دائم في البصيلات وتكون نسيج ندبي، مما يجعل تساقط الشعر دائماً.

الممارسات المسببة: تسريحات الشعر المشدودة مثل ذيل الحصان، الكعكة، الضفائر الأفريقية (Cornrows)، استخدام وصلات الشعر الثقيلة، أو ارتداء أغطية الرأس الضيقة جداً بشكل يومي.

خيارات العلاج:

العلاج الأكثر فعالية هو الوقاية. في المراحل المبكرة، بمجرد التوقف عن الممارسات المسببة للشد، يمكن للشعر أن ينمو مجدداً بالكامل. في الحالات التي يوجد فيها التهاب، قد يصف الطبيب كورتيكوستيرويدات موضعية. أما في الحالات المتقدمة التي حدث فيها تندب، فقد يكون تساقط الشعر دائماً وقد تكون زراعة الشعر هي الحل الوحيد.

5. سعفة الرأس (Tinea Capitis): عدوى فطرية

هذه الحالة أكثر شيوعاً عند الأطفال ولكن يمكن أن تصيب البالغين أيضاً.

كيف تبدو؟

بقع متقشرة ومثيرة للحكة على فروة الرأس، مع شعر متكسر عند سطح الجلد، مما يترك "نقاطاً سوداء" مميزة. قد يصاحبها احمرار وتورم. في الحالات الشديدة، يمكن أن تتطور إلى كتلة ملتهبة ومؤلمة تسمى "الشهدة" (Kerion)، والتي تفرز صديداً ويمكن أن تسبب تندباً دائماً إذا لم تُعالج.

السبب العلمي:

عدوى فطرية تسببها مجموعة من الفطريات الجلدية (Dermatophytes) التي تغزو جذع الشعرة والبصيلة. هذه العدوى شديدة العدوى ويمكن أن تنتقل عن طريق الاتصال المباشر مع شخص مصاب، أو مشاركة الأدوات الشخصية (الأمشاط، القبعات)، أو من الحيوانات الأليفة المصابة (خاصة القطط والكلاب).

خيارات العلاج:

نقطة حاسمة: العلاجات الموضعية (الكريمات والشامبوهات) وحدها غير كافية لعلاج سعفة الرأس لأن العدوى تكون في عمق بصيلة الشعر. العلاج يتطلب أدوية مضادة للفطريات عن طريق الفم يصفها الطبيب، مثل Griseofulvin أو Terbinafine، لمدة تتراوح من 4 إلى 8 أسابيع. يمكن استخدام الشامبوهات المضادة للفطريات كعلاج مساعد لتقليل انتشار الفطريات ومنع نقل العدوى للآخرين.

جدول مقارنة سريع لأنواع تساقط الشعر

خلاصة مهمة: التشخيص أولاً، ثم العلاج

هذا الدليل مصمم ليكون أداة تعريفية تساعدك على فهم ما قد يحدث لفروة رأسك. ومع ذلك، لا يجب أن تبدأ أي علاج بناءً على تشخيص ذاتي. التشخيص الدقيق يتطلب فحصاً سريرياً من قبل طبيب أمراض جلدية، والذي قد يستخدم أدوات مثل منظار الجلد (Dermoscopy) لرؤية علامات دقيقة، وقد يطلب أحياناً تحاليل دم أو حتى خزعة من فروة الرأس لتأكيد التشخيص.

في المقال التالي، صحة فروة الرأس: "تشخيص وعلاج الحالات الشائعة من القشرة إلى الصدفية"،سننتقل من تساقط الشعر إلى صحة "الأرض" التي ينمو منها: فروة الرأس. سنتناول المشاكل الشائعة التي تسبب الإزعاج للكثيرين، من القشرة البسيطة إلى الحالات الأكثر تعقيداً مثل الصدفية.

ملاحظة هامة: المعلومات الواردة في هذا المقال هي لأغراض تثقيفية وتعليمية فقط، ولا تغني عن استشارة الطبيب أو الصيدلي. التشخيص الدقيق والعلاج المناسب يتطلبان دائماً استشارة طبية متخصصة.

أسئلة وأجوبة شائعة حول تساقط الشعر